كلمة السيد الحكيم في المؤتمر الثاني للآفاق المستقبلية لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)
كلمة السيد الحكيم في المؤتمر الثاني للآفاق المستقبلية لأتباع أهل البيت (عليهم السلام)
26 Jan
26Jan
أَيها الحضور الكريم من العلماء والفضلاء والأساتذة من الإخوة والأخوات ، إن تواجدكم في العراق وتجشمكم عناء السفر من أقصى الشرق والغرب ومن بلدانكم الكريمة في مختلف أصقاع الأرض للمشاركة في هذا المؤتمر الموسع ، له رمزية كبيرة تعبر عن حرصكم و وعيكم بأهمية التواصل والحوار المسؤول ، وتبادل الآراء في الجوانب العلمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المطروحة ، وهي مساحة للنظر مجدداً على أساس التقييم والتقويم والتطوير لهذه الملفات بما يصب في مصلحة أوطاننا ومجتمعاتنا
يمثل هذا المؤتمر فضاءً فكرياً حراً لاستشراف آفاق المستقبل لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) وهو ترجمة لفكرة تحمل في طياتها استحضار التحديات والفرص من أجل استثمارها مع ثقة عالية بأننا أمة عصية على التحديات الوجودية مصممة على النهوض.
موقنين بأن جمود الماضي وظروفه المعروفة ، والحياد تجاه الحاضر ، وانعدام التخطيط للمستقبل ، باتت عوامل معرقلة لا تتناسب مع الخزين الفكري الشيعي المتجدد المتسم بالأصالة وثبات العقيدة والخطوط العامة لجماعة أهل البيت (عليهم السلام).
إننا نؤكد عبر هذا المنبر مرة أخرى على النقاط التالية ، للتعريف بأهداف المؤتمر وغاياته :
أولا: نحن نعد هذا المؤتمر ، فرصةً نوعية وثمينةً لإلتقاء النخب الشيعية من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ببعضها في موسم دوري ، لتبادل التجارب و الآراء والأفكار ، والتعمق فيها والإصغاء إليها ، إيماناً منا بما توفره هذه المنصة من مساحة خصبة للتوجهات والاتجاهات والتجارب الفكرية و العلمية و الثقافية للتعبير عن نفسها بحرية واستقلالية بعيداً عن أية تصورات ذهنية مسبقة أو متبنيات أو توجهات محددة أو معدة سلفاً.
إنها منصة علمية حرة ، يمكن للجميع ، أن يدلوا بدلوهم فيما يعتقدون بأنه نافع ومثمر ، بما يعبر عن آرائهم و تجاربهم بتجرد وحرية واستقلالية.
ثانياً: مؤتمرنا ليس تكتلاً أو تجمعاً أو إطاراً علمياً بديلاً عن الأُطر الرسمية للمثابات العلمية والفقهية ، سواء الحوزوية المبجلة أم الجامعية الرصينة ، إنما هو فضاء علمي لنخب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ممن يحرصون على مساندة الطروحات القيمة ومؤازرة المواضيع ذات الاهتمام العالمي المشترك وإغنائها إنسانياً وإسلامياً بالأفكار والآراء والخبرات.
كما أن المؤتمر ليس حراكاً سياسياً أو مساحة ذات أهداف سياسية أو توجهات مؤدلجة. ولعل أبرز ما يميز هذه الفعالية أنها تحقق جسوراً للتكامل في الرؤى وآفاقاً خلاقة من دون قيود واشتراطات أو انحيازات ، فهي في جوهرها فعالية فكرية لتحليل الواقع والتفكير بالمستقبل وآفاقه ، واستشراف الغد وممكناته الأفضل ، كلاً من موقعه ومنطلقه.
ثالثا : إن شعار المؤتمر ( أمةً وسطا) يشير إلى الغاية النبيلة والهدف الأسمى ، في التعريف بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ويطلق العنان لبوصلة أتباع هذه المدرسة النبوية العلوية وتمسكهم بالقرآن الكريم والسنة والعترة معززاً بالاعتدال والعقلانية والوسطية.
إن الوسطية و العقلانية و المرونة و القدرة على التكيف و الاندماج هي سمات حاضرة على الدوام لدى أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وهم الأقدر على تشخيص مصالحهم الوطنية و منافعهم الداخلية ، وهو ما نلمسه في أحاديثكم ومشاركاتكم وتجاربكم ومقترحاتكم القيمة. ، راجين لهذه الجهود المخلصة التوفيق و السداد والتقدم.
أيها الكرام الأعزة ..إن التاريخ الإسلامي يدلنا بوضوح على تضحيات وثبات وأصالة خط أهل البيت (عليهم السلام) منذ الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء (عليهما السلام) إلى الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) و ذريتهما الطاهرة المبجلة لدى المسلمين جميعاً.
فهم الأهل والآل والقربى وهم الأُمناء والورثة الطبيعيون لخط النبوة نسباً وحسباً وعلما ومعرفةً وصوناً و وفاء وقولاً وفعلاً ، وهو الأمر الذي انعكس على عقيدة وهوية وسلوك أصحابهم وشيعتهم وأتباعهم ونخبهم وكل من تأثر بهم أياً كان توجهه و اتجاهه.
إن أهل البيت (عليهم السلام) مثلوا و يمثلون نقطة التقاء الأمة الإسلامية بمذاهبها وفرقها وطرقها وأصولها وتفرعاتها ، عقيدية كانت أم فقهيةً أم سلوكيةً أم معرفيةً ، وما من جهة شذت عن ذلك حتى نبذت وهمشت وأشير لها بالانحراف والتطرف والجهل والخروج على الأصول والقيم الأصيلة.
إن المسؤولية المذهبية والأخلاقية تفرض على النخب الصالحة والمؤثرة أن يكونوا قنوات شرح و تعريف و توضيح لسمات و مبادئ و ثوابت ومناهج وتاريخ هذه المدرسة الأصيلة المعطاء.
كما أن مسؤولية النخب من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) تفرض عليهم جمع شتات الأمة وتقارب أبنائها وتوحيد صفوفهم والحفاظ على هويتهم. والبداية يجب أن تكون داخلية : {إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم } ، فما لم نسعَ إلى الاصلاح والتغيير الداخلي على مستوى الفرد والجماعة ، فلا يمكن أن نقدم نموذجاً مقنعاً و صالحاً للآخرين.
ومن هنا يجب بذل الجهود و المساعي لتقليص دوائر الغلو والتجهيل والتطرف والانحراف ، بالاستعانة بجنود العقلانية والتدبر عبر أدوات المعارف والعلوم والتراث الناصع والسيرة الصحيحة ، واستلهام نتاج علمائنا ومراجعنا الأبرار في الميادين جميعها والتمسك بالتقليد للمجتهد الجامع للشرائط.
إن جماعة أهل البيت (عليهم السلام) يجب أن يكونوا القدوة والنموذج والجماعة الصالحة المحبوبة بوصفها الأقدر تاريخياً على إنتاج المشتركات والخطاب المناسب والموقف الحصيف لكل زمان ومكان ، مرتكزين على تراثهم واجتهادهم و وعيهم وحضورهم المعتدل ، المنسجم مع المتغيرات والتطورات العالمية والإنسانية.
لقد سعى أتباع أهل البيت (عليهم السلام) على مدار التاريخ لأن يكونوا ممن يقوى بهم الإسلام و مبادئه و الأمة الإسلامية ومصالحها ، باقتفائهم سيرة أئمتهم و وصايا علمائهم و مراجعهم العظام ، متحدين بذلك السلطات الظالمة والمنحرفة التي أرادت بهم وبالإسلام سوءاً ، وأفشلوا خطط الانحراف العقيدي و الفكري التي كانت تكفرهم وتسعى لتهميشهم والتحريض عليهم وتشيع الأكاذيب لتشويه مدرستهم لدى الأمة
لا يخفى على الباحث اللبيب في التاريخ الإسلامي أن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، مثلت الخط المعارض للسلطات المستبدة التي اغتصبت حقوق الأمة العقيدية والسياسية و الاجتماعية ، وهي بتلك المعارضة قد سلبت الشرعية عن الممارسات الظالمة المتسترة بستار الدين وكشف زيف تحالفاتها مع الجماعات التكفيرية المتطرفة التي أرادت سوءاً بوحدة الأمة وعملت على تحريف عقيدتها وتفريق صفوفها .
هذا التاريخ الطويل من النضال و الصمود يجب التعريف به وتكريسه ، فالشيعة حماة الأمة وسندها و دثارها وهم حملة شعارات الوحدة والأخوة والموقف واعداؤهم هم أعداء الأمة الإسلامية أبداً ، من المستبدين والتكفيريين والمتطرفين.
-لقد تحمل شيعة أهل البيت (عليهم السلام) جور الزمان و ظلم الأعداء و استهداف الخصوم حتى يومنا هذا ، لا لذنبٍ اقترفوه بل لكونهم منحازين إلى الحق ومنتمين إليه ومدافعين عنه وذائبين فيه ، وهذه هي الهوية التي ينبغي أن تبقى وتنمو وتستمر.
إن التحديات العالمية على مستوى القيم البشرية و المبادئ الفطرية و الأخلاقيات الإنسانية ، تواجه أزمات مستفحلة ومتسارعة ومؤسفة ، بفعل أجندات صفراء تستهدف الدين ومعالمه وتعاليمه ، ومن ثم الأسرة بكل أركانها وأفرادها من (المرأة والرجل والطفل وكبار السن بنحو سواء) ، وتستهدف المجتمعات بكل فئاتها وتنوعاتها لإضعاف تماسكها و قيمها المشتركة وأعرافها.
إن جميع الأجندات المنحرفة التي تروج للتفرد والأنانية والإباحية والشذوذ والانحطاط والإلحاد، هي في الواقع تحارب الإنسان في فطرته وتكوينه ، وتتلاعب بتاريخه و حاضره لتشويه مستقبله و تبتغي تمزيق المجتمع الإنساني ، بادعاءات كاذبة مفضوحة عن الحرية والتحرر من الأطر السليمة ، ونتائج ذلك هو الخراب والفوضى والإحباط والانتحار والعبودية للهوى والملذات والشهوات وإتباع الشيطان .
ونحن نعلم بأن هذه المعركة المحتدمة بين الخط الإلهي المتمثل بالأنبياء والأئمة والصالحين من جهة ، والخط الشيطاني المتمثل في أجندات الانحراف والفساد والاستبداد من جهة أخرى ، كانت ومازالت وستبقى مستمرة ومستعرة ، ومن واجبنا تقديم البديل الروحي والمعنوي والنموذج الفكري والثقافي لشركائنا و نظرائنا في الإنسانية، منطلقين من تعاليم ديننا و سنة نبينا و ميراث أئمتنا و تراث علمائنا الزاخر.