26 Jan
26Jan

إن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتراثهم الكبير أخلاقياً و روحياً ومعرفياً ، هما من يقدم البديل الناجع ، و النموذج الناجح ، و المشروع الأمثل للعالم وترجمة ذلك مسؤوليتنا جميعا .

 وهنا بودي أن أشير إلى أهمية الجوانب الآتية :

أولا / الإسلام :

 هو ديننا ومعتقدنا ومبدأنا الذي آمنا به بوساطة الوحي المنزل على صدر خاتم الأنبياء (صلى الله عليه و آله وسلم).

 فالبداية والنهاية والمسير والمصير كلها مرتبطة بالرسالة المحمدية والهداية الإلهية التي جاءت لإنقاذ البشرية من الحروب و التجاوزات والآفات والفوضى والجهالة والظلمات ، واستبدلتها بعقيدة التوحيد ومبادئ السلام ومكارم الأخلاق والحقوق وسبل الارتقاء بالمعرفة والعلم والعمل الصالح لبناء الإنسان وعمارة البلدان وضمان الحياة الطيبة في الدنيا و الآخرة. 

إن من رفع هذه الرسالة وصانها وحافظ عليها و تمسك بها وحمل رايتها وضحى من أجلها ، هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مما يوجب علينا حسن الاتباع والسير في هذا المنهج القويم عبر توحيد الأمة الإسلامية و توثيق رباط الأخوة مع المسلمين كافة ، فهم الأهل والأخوة في الله ، نشاركهم الأفراح والأحزان ونقف معهم في السراء والضراء. 

ثانيا : التشيع : 

فهو مذهبنا و عقيدتنا و هويتنا و مشربنا وهو رباطنا بأهل البيت (عليهم السلام) و مدرستهم و حوزتهم و حيازهم. 

فهذه المدرسة العريقة بتراثها و تاريخها و تأثيرها ، تمثل قيمة عليا لدى أتباعها الذين يقوون بوحدتهم و مشتركاتهم وعواطفهم ومشاعرهم و هويتهم الراسخة.-ولذا يجب تقوية نسيج هذه المدرسة بالتواصل والتقارب والتعاضد والتكاتف وتعزيز هويتهم و لونهم و خصوصياتهم حيثما كانوا. 

فالمحبة لأهل البيت (عليهم السلام) والقضية المهدوية بمحورية العدالة والانصاف برؤية عالمية تعالج الجهل والفقر والظلم والاستبداد ، والمرجعية الدينية الرشيدة ، وإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) من خلال الشعائر الحسينية وغيرها ، كلها مضامين عقيدية إنسانية ومشروعة وسامية. 

وفي هذا السياق تجدر الاشارة إلى أهمية زيارة الأربعين بما تمثله من ملتقى عالمي لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) ومحبيهم في التجمع الإيماني السنوي الأضخم على الإطلاق في العالم بمسيرات مليونية تمدهم بزخم عقيدي وقيمي وروحي بالغ التأثير. 

فقد تجاوز عدد المشاركين في هذه الزيارة العام الماضي ثلاثة وعشرين مليون زائر قادمين من أكثر من مائة دولة يقوم على خدمتهم أكثر من سبعة آلآف موكب وفريق تطوعي. 

ثالثا : 

و أود هنا أن أفرد محوراً خاصاً لقضية المنقذ والمخلص والهادي والعدل المنتظر ، المتمثلة بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والاعتقاد به وبظهوره وأهدافه وغاياته السامية (أرواحنا له الفداء). 

فهي معتقد وقضية محورية ، وردت في أغلب الشرائع السماوية والنحل الإنسانية ، لكنها لم ترد عند الآخرين بالوضوح الذي ورد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
إن الإيمان بوجود هذا الإمام الغائب عن الأنظار ، الحاضر برعايته وعنايته وبركاته لهي قضية مركزية بحاجة إلى إيضاح وترسيخ وتكريس ، تتطلب التعريف والشرح لأهداف ظهوره ، وآثار هذا الظهور الميمون. 

فالشيعة تؤمن باتباع أئمتها ، بكرامة الإنسان ومحورية خلافته في الأرض وضرورة صون هذه المحورية وهذا الوجود المبارك والامتداد الإلهي بكل ما يحمله من حقوق وامتيازات وخصوصيات ، يحفها مبدأ العدالة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، وبينه وبين الطبيعة والموجودات الأخرى ، وبينه وبين الخالق المدبر سبحانه وتعالى.
إن هذه الرؤية وهذا الإيمان ينتجان السعي والعمل الجادين باتجاه التقويم الدائم والتطور والارتقاء في كافة المجالات بما يحقق العدل المفقود بين الناس ، رغم مساعي البشرية المتواصلة للتطور وصيانة الحقوق ، وإنما نفتقده بسبب غياب القيادة الرشيدة والنوايا السليمة وغلبة الأطماع والمصالح وفقدان التوازن في الموارد والإمكانيات بين بني البشر. 

فلايزال الفقر والجوع منتشرين ، والجهل والأمية حاضرين ، ولاتزال الحروب والنزاعات ، والتجاوزات والتعديات قائمة ، ولايزال استقواء الكبار وأرباب السلطة وأصحاب الثروة والسلاح شاخصاً في المشهد ، ومن المؤسف أن محاولات التأطير والتبرير للجرائم والمظالم أكثر حضوراً من معالجة النزاعات وحسمه

إن الأحداث الأخيرة في فلسطين عموماً ، وغزة خصوصاً من قتل الأطفال والنساء والمرضى والجرحى و هدم البيوت و تشريد العوائل و تجويع الأسر و فرض الحصار على ملايين الناس ، ومانشهده يومياً هنا وهناك قد أشارت بوضوح إلى مكامن الخلل ورفعت الستار عن ازدواجية المعايير و التناقضات الأخلاقية و المنحدرات السلوكية التي يعاني منها العالم على مستوى القيادة وأصحاب القرار. 

وقد رأينا بوضوح من خلال المظاهرات المليونية في كل بقاع العالم ، التعطش الفطري إلى العدالة وهتاف الحشود لإيقاف الظلم والتعاطف مع المظلوم في بقاع الأرض كلها. 

القضية المهدوية تعالج بوضوح هذا النقص الأخلاقي الحاد ، والتعطش الفطري للعدالة ، كما تنص مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) :( فالناس صنفان : إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) وفي الحالين أنت مسؤول عن كرامة الإنسان وصون حقوقه و الدفاع عن مظلوميته ، والنهي عن الظلم و المنكر ، بعقيدة العدل وقوة المنطق ، لا منطق القوة ولا سلاح التدمير والتبرير. 

إن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو إمام العدل وقائد الخير ومنارة الحق وبوصلة المعرفة و راية الانصاف ، و واجب أتباعه أن يكونوا خير دعاة لمبادئه وأهدافه. 

رابعا / الوطنية والمواطنة :

 إننا أمام متغيرات و تطورات مهمة في بلداننا الإسلامية بأزاء فكرة المواطنة والعيش المشترك والعقد الاجتماعي والسياسي القائم على الحقوق والواجبات ، وهو أمر مفرح وفرصة نوعية نحو استقرار بلداننا وعمرانها وازدهارها. 

لقد كان لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) دور كبير في ترسيخ هذه المفاهيم الإيجابية الراشدة ، في أوطانهم على مستوى القرار والحضور والتأثير بمقتضى خصوصيات ومشتركات كل دولة وكل وطن و كل مجتمع. 

نجدد رؤيتنا: بأن الشيعة موحدون على مستوى العقيدة والشريعة والشعائر و منتشرون في أطر الدول والمجتمعات بحسب أوطانهم ودولهم والتزاماتهم الوطنية ، ومحترمون في توجهاتهم الفردية و الفكرية و الثقافية و السياسية.وهذه الثلاثية (العقيدة والوطنية والحرية الفكرية) تمنحهم رصانة مضاعفة وقوة ومرونة في التكيف والانسجام مع المتغيرات والتطورات. 

خامساً / العلوم و الفنون و المعارف:

إن تأكيد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على طلب العلوم والمعارف واتقان الحرف والفنون والأعمال يجب أن تكون حافزاً للجهد الشيعي المضاعف في المجالات الأساسية ، تاريخاً وحاضراً بآلآف المبدعين والمؤثرين من العلماء والنخب والأدباء و المثقفين (والقائمة تطول) ، ومن هنا فنحن بحاجة ماسة إلى تطوير وسائل العمل لإنتاج المعارف والعلوم وإشاعة روح التعلم والإبداع في الأوساط الشيعية الزاخرة.


سادساً / الاقتصاد:

إن روايات أهل البيت (عليهم السلام) في الحث على التجارة والزراعة والمهن الأخرى ، مع الإلتزامات الشرعية (الخمس و الزكاة) والحث على التصدق والإحسان و قضاء حوائج المؤمنين ، كلها موارد بحاجة إلى الاعتناء و الاهتمام وفق التطورات العالمية والتعامل مع الاقتصاد بوصفه علماً ومعرفةً وقوةً.

إن دور رجال الأعمال والاقتصاديين الشيعة مهم وحيوي في إدامة استقلالية الحوزة العلمية واتساع المدارس الدينية والمساجد والحسينيات و رعاية الأيتام و غيرها من موارد التبرع والإحسان والدعم المسؤول ، فضلاً عما يمكن توسيعه بأهداف مضاعفة في تشغيل الأيادي العاملة و تأسيس المشاريع الناجحة والتنافس في العمل ، وتأهيل مراكز الإبداع و الابتكار لجذب الموهوبين والنوابغ من الشيعة و زجهم في مشاريع الاقتصاد والتكنولوجيا والصناعة والزراعة الحديثة. 

إن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى رجال واعين يدرسون ويخططون وينفذون ويتابعون ويبتكرون الأحدث والأكثر نفعاً وتنمية وتطوراً ، ولا ينقص رجال الشيعة شيء ولاتعوزهم هذه الطاقات ، ولدينا مئات التجارب الناجحة الجديرة بأن تتسع و تتميز وتنمو. 


سابعاً / الإدارة:

إن جميع المشاريع الناجحة بحاجة إلى أصحاب القرار و المدراء الناجحين.وإن إدارات الدول والمنظمات والمؤسسات والشركات والمشاريع ، بحاجة إلى قدرات وإمكانيات علمية عالمية وعالية ، ولابد من تأشير خلل كبير ونقص واضح في هذا المجال في بلداننا ومؤسساتنا الأساسية. 

إن صناعة الرجال الأكفاء و المدراء الأمناء المبدعين من أصحاب التدبير و الابتكار تعد مهمةً صعبةً وعاملاً أساسياً في الحفاظ على مواردنا البشرية والمالية وحسن إدارتها و استثمارها وانمائها. 

وفي الختام ..

 أدعو إلى تأسيس مركز دراسات دولي رصين يُعنى بدراسة الواقع الشيعي وما يواجهه من فرص وتحديات على المستوى الدولي والأقليمي والمحلي ، ويقدم الحلول للمشاكل التي يواجهها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في بلدانهم ومعالجة الانطباعات السلبية الخاطئة عن معتقداتهم وانتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الوطنية واندماجهم في أوطانهم. 

شكري وتقديري المتجدد لكم .. لحضوركم هذا المؤتمر الدولي الهام ومساهمتكم الجادة في إغنائه وإنجاحه .. أسال الله أن يجمعنا وإياكم على طاعته ورضاه ويعيننا على تحمل مسؤولياتنا ويحفظ مراجعنا العظام ، ولاسيما المرجع الأعلى الإمام السيستاني (دام ظله الوارف) ويبارك لكم مساعيكم والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - الموقع الرسمي لتيار الحكمة الوطني