في المحاضرة الرمضانية، استكملنا بحثنا في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ( عليه السلام) والتي تمثل اختزالا للنظرية الاجتماعية لنظام الحقوق في الإسلام، وكنا قد تحدثنا عن الحق الثامن وهو (حق البطن)، والإضاءات الواردة في هذه الرسالة الإسلامية عن هذا الحق، حيث استعرضنا الإضاءة الأولى المتعلقة بالمعنى اللغوي للبطن، وفي الإضاءة الثانية استعرضنا الآيات الكريمة التي تشير إلى أن الأكل والشرب إنما هو نعمة من الله سبحانه.الإضاءة الثالثة: الميزان الأخلاقي ( القيمة الأخلاقية) في الطعام والشراب، وتجدر الإشارة هنا إلى أن القيمة الأخلاقية تكون بالأمور الإختيارية و الطعام والشراب بحكم حاجته الفطرية للإنسان خارج عن الاختيار، وبيّنا أن ما هو ذات قيمة أخلاقية ويتصف بالحسن أو القبح في تناول الطعام والشراب هو كميته، أو نوعه، وآلية تناوله، ووقت تناوله، وهذه التفاصيل يمثل بعضها آداب الطعام .موارد حسن وقبح تناول الطعام والشراب:ماخرج عن الإستقواء مذموم كما ورد في قوله تعالى من سورة الأعراف الآية 31 " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين" وأكد عليه الإمام السجاد (عليه السلام) في قوله " وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلالِ وَلا تُخرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إلَى حَدِّ التَّهْوِينِ وَذَهَاب الْمُرُوَّة"و كذلك تزاحمه أحيانا مع أمر أخر يتعلق بضرر مادي أو جسدي فيكون مذموما عندئذ، كالشخص المريض الذي يضره تناول بعض الأطعمة.كما يصبح الطعام والشراب قبيحا ومحرما حينما يسبب ضررا روحيا ومعنويا كتناول المسكرات لذهابها بالعقل، أو أكل لحم الخنزير، أو أكل اللحم غير المذكى.و في مورد آخر يصبح الطعام قبيحا ومحرما أحيانا إذا أستقوي به لفعل محرم، ويصبح حسنا إذ استقوي به لعمل خير أو طاعة كالذي يأكل وقت السحور ليصوم، ويكون حسنا أيضا حينما تكون الغاية منه إدخال السرور على قلب المؤمن إذا ضيف الشخص و تمنى منه أن يأكل من طعامه. بيّنا أن القرآن الكريم يطرح عنوانا عاما لحلية الطعام وحرمته كما في قوله تعالى من سورة الأعراف الأية 57 " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث" والطيبات هنا ما يستطيبه الإنسان ولا دليل على حرمته بشكل خاص ، فيما أن الخبائث ما يستقذره الإنسان ويتقزز منه .